سر السيف الدمشقي الضائع من زمن المجد الضائع

عني المسلمون باقتناء السيوف، وكان للرسول محمد «صلى الله عليه وسلم» سيوف مشهورة أوردها الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه: «زاد المعاد في هدى خير العباد» وهي تسعة أسياف: «مأثور» وهو أول سيف ملكه ورثه من أبيه، و«العضب»، و«ذو الفِقار»، وكان لا يكاد يفارقه وكانت قائمته وقبيعته وحلقته وذؤابته وبكراته ونعله من فضة. و«القلعي»، و«البتار»، و«الحتف»، و«الرسوب»، و«المخذم»، و«القضيب»، وكان نعل سيفه فضة وما بين ذلك حلق فضة.
وعدد الكندي فى رسالته «السيوف وأجناسها» من أنواع السيوف خمسة وعشرين نوعا تتبع تسميتها لنوع الفولاذ فيها، والمكان الذى صنعت فيه، كالسيوف الدمشقية واليمانية والقلعية والهندية والخرسانية والبصرية والمصرية والكوفية.
ومن خلاصة ماورد في مصادر عربية حول صناعة الدمشقة «عند الجلدكي والطرسوسي، وأبي الريحان البيروني» أن السيف الدمشقي يصنع من الفولاذ الدمشقي المصنوع محلياً عن طريق تحمية الحديد في كور وسكبه في بواتق، ويضاف إلى البوتقة مواد معدنية كالمنغنيز لزيادة لمعانه ومنع أكسدته، ثم يضاف مواد عضوية نباتية كالإهليلج أو قشر الرمان أو قش الرز أو الخشب وأوراق الأشجار إلى الحديد المحمى اللين، هذه المواد تصبح فحماً يختلط بالحديد ليصبح فولاذاً يطلق عليه اسم الجوهر أو (الفرند) ومن هنا يعرف الفرند بأنه اللون المائل إلى السواد، توضع عليه الرسوم والنقوش وتكتب الأسماء بإشراقٍ مائل إلى البياض».
وبقيت صناعة هذا السيف لغزاً محيراً رغم محاولة الحرفيين الغربيين تقليده عبر العصور. حيث امتازت السيوف الدمشقية عن غيرها بظاهرة فنية عرفت باسم “جوهر السيف” أو “فرنده”، وللجوهر أسماء منها “الدمشقي” أو “الشامي”، وله أشكال عديدة تظهر علي النصال وتشاهد له تموجات وبقع، ومن أهم خصائص الجوهر الدمشقي أنه يمتاز بأشكال البقعة المحكمة كتموجات رائعة، حيث كان بعضها بشكل تموجات دائرية تسمى زهر والبعض الآخر تموجات مستقيمة وتسمى سلمي. كما يمتاز بإشراق له مائل إلي البياض مع عدم قابليته للصدأ كسائر أنواع الجوهر، كما يمتاز بلينه ولدانته وثباته فالجوهر الدمشقي إذا طرق نصله وأعيد تحضيره وظهر فيه الجوهر صح فيه قول ابن المعتز:
تري فوق متينه الفرند كأنه … بقية غيم رقّ دون سماء
أو قول أبو الهول الحميري:
وكأن الفرند والجوهر الجا … ري علي صفحتيه ماء معين

سيق دمشقي
حملت بعض السيوف أسماء صانعيها نظراً لشهرتها الواسعة، وكان أسد الله الدمشقي من أشهر الصناع للسيوف الدمشقية حتى أصبح اسمه أشبه بالماركة التي استمر استعمالها خلال قرنين. ولاننسى ابراهيم المالكي، صانع السيف الشهير في العصر المملوكي الذي انتقل إلى اسطنبول عام 1517، والصانع المملوكي الشهير حاجي صونقور الذي ترك أكثر من أربعين سيفاً تحمل اسمه.
وتفاخرت الشام بصنع السيوف الممتازة التي تنقش على نصالها الآيات الكريمة، والأشعار والدعوات، وكانت مقابضها ترصع بالحجارة الكريمة وتصنع لها الأغماد المزخرفة. وقد صنعت السيوف في الشوير ودومة واشتهرت أسر السلاحين في دمشق منهم «بنو السيوفي، جوهر، جوهري، مسابكي، حداد، نحاس، وحفار وطباع». ولكن الفترة الزمنية الأكثر انتشاراً للسيف الدمشقي هي انتقاله إلى الغرب عن طريق الصليبيين حيث كلمة damasc تعني السيف الدمشقي واستمرت هذه الصناعة تحت اسم damasc inoge حتى القرن الماضي وبعدها بدأت تميل إلى الانقراض.
ومن المراحل التي تمر بها صناعة السيف الدمشقي مرحلة “التكفيت” وهي طريقة مازالت معروفة في صناعة المعادن الدمشقية، وأطلق عليها الفرنسيون في مرحلة لاحقة اسم “الدامسكناج” وتعني طريقة تنزيل الذهب والفضة علي نصال السيوف، وتكون بحجم النصل الذي سيُكفّت إلي أن “يزّرق” ثم تحفر فيه خطوط رقيقة بمقص حاد أو أزميل رفيع بالشكل المطلوب حفره، ثم تثبت بالحفر الأسلاك الذهبية أو الفضية “شغل الجفت” ويضغط عليها بخفة إلي أن يتم حشو الحفر الرقيقة.
وهناك عملية “التسقية” ويقال لها سقاية وتسقية التي اشتهرت بها النصال الدمشقية وهي عملية يقصد بها “نشوفة” الصلب أي صلابته والغرض منها جعل الصلب “الفولاذ” أنشف حتي لا يتآكل بسرعة إذا استعمل، وهذه العملية تجري عادة بعد عملية التشكيل والتسوية، ومن السوائل التي يغمر فيها الصلب لتبريده أثناء التسقية، الزئبق والماء البارد المذاب فيه قليل من ملح الطعام أو الزيت أو الماء الساخن.
وهذه المراحل الموصوفة في كتب التاريخ يشوبها بعض الغموض خاصة من النواحي الفنية بالنظر لغياب العديد من التفاصيل وأهمها مكونات ونسب الأعشاب والمعادن خاصة مرحلة التسقية.
وقد شكّل السيف الدمشقي عبر القرون الماضية لغزاً مستعصياً على الحل في الصناعة الحربية، إذ رويت عنه الأساطير ونسجت حول صناعته القصص والحكايات وقيل إن الشعرة كانت تنشطر إلى نصفين لدى سقوطها على حده، وأنه كان الأساس في انتصار صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في المعارك التي خاضها ضدهم، وكان القادة الأوروبيون يرسلون التجار الى دمشق لشراء السيوف الدمشقية المميزة بأغلى الأثمان للتباهي بها، واستخدامها فى المبارزات والمعارك الهامة.
وقد احتار العلماء قديماً وحديثاً في سر السيف الدمشقي فقد حاول الجنرال الروسي انوسوف ان يدمشق السيوف الرسمية في بلاده، وقام بتجارب عدة ليعلن في عام 1837م أنه اكتشف سر السيف الدمشقي. ولقد نمت صناعة سيوف مدمشقة فى روسيا، واستطاع بياسكوفسكي ان يعرض طرقها وأنواعها وهو يعتقد ان إنتاجها ممكن جداً وحاول كثير من الباحثين فى القرن الماضي كشف أسرار الدمشقة من أمثال بريان Breant الذي نشر دراسة تحت عنوان «وصف طريقة للحصول بواسطتها على نوع من فولاذ السيوف الشرقية المدمشقة».
وفى عام 1918 قام بيلانو بأبحاثه فتبين لديه ان صناعة السيوف الدمشقية الجوهر تقوم على مبادئ خاصة. ولكنه لم يتمكن من اكتشافها كاملة لأنه لم يطلع على المصادر العربية في هذا المجال.
وقد نشر باحثان أمريكيان مقالة لهما حول كشف لغز السيف الدمشقي أعلنا فيها طريقة صناعة السيف الدمشقي بعد اكثر من سبعة قرون من الحيرة والاختبارات الفاشلة والأساطير والحكايات. لكن النجاح ليس كما يصفانه حيث تبين أنه نجاح جزئي وليس كاملاً.
فالعالمان أوليغ شيربي الذي يعمل أستاذاً فى علم المعادن والهندسة فى جامعة ستانفورد، وهيفري وادسورث الذي يعمل فى مختبرات شركة لوكهيد للصناعة الحربية في بالوالتو قاما بتقليب المعدن المسّخن وهو في حرارة 2050 فهرنهايت بصورة مستمرة، وعمدا في تلك الأثناء الى خفض حرارته الى درجة 1200 «ف» وحافظا على تلك الحرارة خلال عملية تشكيله. هذه العملية تشبه كثيراً عملية صنع الخزف الذي يعجن وهو يلف بصورة مستمرة. ومع أن مركب «كربيد الحديد» يتشكل في مثل هذه الحالة، إلا أنه لا يعطى فرصة الاستقرار في صورته الهشة، إذ إن استمرار اللف يفرض عليه البقاء ضمن الحدود الضيقة التي تسمح له فقط بملء الحبيبات الفارغة، وبذلك تتشكل المصنعات الفولاذية من معدن شديد الليونة وهو في حالة السخونة والصلابة الشديدة بعد تبريده.
وبعد أن عرض هذه الإنجاز علي جمهرة من العلماء صاح أحدهم: أن هذا الذي صنعه العالمان هو الفولاذ الدمشقي بالتحديد، وبعد مقارنة المعدنين ببعضهما لوحظ تطابق شديد بينهما مع فارق واحد هو أن المعدن الجديد صنع بواسطة الآلات بينما الأول صنع علي يد الحداد الدمشقي بالطرق العادية.!!.
لكن بالرغم من تصنيع سيف مدمشق له نفس خواص السيف الأصلي -حتى انه استطاع شق الحرير- لكنه لم يتمكن من محاكاة التموجات ذات الطابع المميز للسيف الدمشقي الأصلي. ويؤكد المقال أنه ما يزال هناك الكثير من الأسرار للغز السيف الدمشقي، مما يوضح بأن الاكتشاف انما هو جزئي.
وفي دراسة علمية ترجع لعام 2006 نشرت نتائجها مجلة «نيتشر» الألمانية، أكد فريق بحث علمي مؤلف من ستة باحثين من جامعة دريسدن للتكنولوجيا بألمانيا، برئاسة بيتر بوفلر Peter Paufler بروفيسور «الكريستالوجرافيا» حصوله على السر الكامن في صناعة السيف الدمشقي، عبر التدقيق في عينة مأخوذة من سيف دمشقي من صنع المعلم الحداد أسد الله الفارسي في القرن السادس عشر عبر المجهر الإلكتروني، فقد استنتج فريق البحث وجود نانو ـ أنابيب وهي أنابيب بأبعاد نانومترية أي من رتبة جزء من المليار من المتر من الكربون، تعطي هذا السيف ميزاته الفائقة. وهذه لم تكتشف إلا عام 1991.
واكتشف فريق باوفلير هذه الأنابيب النانوية، بعد وضع قطعة من سيف دمشقي في حوض يحتوي على حامض الهيدروكلوريك، وذلك بهدف إزالة تراكيب نانوية أخرى هي «خيوط نانوية» من خام إسمنتي طبيعي وجدت في السيوف.
ولصناعة السيف الدمشقي يستعمل الحدادون فولاذاً خاصاً مستورداً من الهند يسمى ووتز wootz، الذي يحتوي على شوائب لبعض المعادن المتحولة. ويحوي حديداً وفحماً بنسبة 1.2 إلى 1.8%، والقليل من السيليكون والمنغنير والفوسفور والكبريت. 

صور مقطعية لأنابيب النانو في السيف الدمشقي
ويعتقد الباحثون ان هذه المعادن هي التي تؤدي الى تشكيل الخيوط النانوية الاسمنتية، الا انهم لا يعرفون الكيفية التي تتشكل بها. وهم يتصورون ان «الأنابيب النانوية» قد تساعد في حل أسرارها! ويعتقد باوفلير ان الشوائب في wootz تحولت الى أشكال بلورية عند التسخين في درجات حرارة عالية، الأمر الذي ساعد على تشكيل الأنابيب النانوية من الكربون الناتج عن احتراق قطع الخشب واوراق الشجر التي تستخدم كوقود لصنع فولاذ الـ«ووتز».
و الأنابيب الكربونية النانوية ذات جدران مبنية من حلقات كربونية سداسية متماسكة مثل خلية النحل، يكون قطر الأنبوب أقل من واحد نانومتر وطوله قد يصل إلى 100 ميكرومتر. يكون ارتباط ذرات الكربون بروابط تساهمية بتهجين SP2 وهذه الروابط أقصر وأقوى من التهجين SP3 المشكل للألماس، مما يجعل هذه الأنابيب تتمتع بمقاومة عالية للشد وذات معامل مرونة كبير لذلك فهي يصعب كسرها.
يمكن الحصول على أنابيب الكربون النانوية بعدة طرائق منها التفريغ الكهربائي بين قطبين من الكربون، أو بتسليط شعاع ليزري على مزيج من الغرافيت مع محفز من النيكل والكوبالت، أو بالطريقة الحرارية التي يعتقد أنها استخدمت في صناعة السيف الدمشقي.
وقد وجوبهت فرضية الباحث الالماني باعتراضات من بعض العلماء، اذ صرح جون فيرهويفن الخبير في الفولاذ في جامعة أيوا للدولة في ايميس، بأن المادة الاسمنتية يمكن ان تظهر على شكل قضبان ولهذا فان الأنابيب النانوية ربما ليست موجودة اطلاقا. وقال أليكس زيتي الباحث في جامعة كاليفورنيا في بيركلي ان «الأنابيب النانوية يمكن ان تكون قد تسربت من الاجهزة والمواد التي درست بواسطة السيوف الدمشقية!»، الا ان أندريه خلوبيستوف الباحث في الكيمياء في جامعة نوتنغهام البريطتانية قال ان الشيء المهم هو ان الأنابيب النانوية تقدم خدمات جليلة للتكنولوجيا سواء كانت قديمة ام حديثة. 

 

carbon nanotube
بينما يقول جون فيرهوفن وألفريد بيندري في مقالتهم حول لغز السيف الدمشقي أن هناك نوعاً واحداً مِنْ السيوف يريده كل إنسان. هذا النوع صنع في دمشق و لذلك سمي السيف الدمشقي. شاهده الأوروبيون الغربيون لأول مرة في أيدي المحاربين العرب المسلمينِ قَبْلَ ألف عام واليوم بقيت نماذج منه معلقة في أقسامِ الدروعَ والأسلحةَ في معظم المتاحفِ الكبيرةِ.
لم تكن السيوفَ الدمشقية حادّة وجميلة فقط، بل كانت أيضاً باعثة على الغموض بحيث لم يستطع أفضل صانعي السيوف الأوروبية مِنْ العصور الوسطى و حتى الآن صنعها، بالرغم من أنّهمَ دَرسوا بعناية نماذج عن الأنصالِ المصنوعة في الشرقِ. وهذا ما جعل الأنصال الدمشقية غامضة لدرجة كبيرة وخصوصاً عندما انقرض فعلياً فَنّ صنعها في العالم حيث تمت صناعة آخر السيوف الدمشقية في أوائل الثمانينيات من القرن التاسع عشر.
وللوقوف على لغز السيف الدمشقي حلل العلماء على مدى مئة عام مكونات 10 أنصال دمشقية حيث أظهرت هذه التحليلاتِ بأنّ فولاذَ wootz يَحتوي كميات صغيرة مِنْ أربعة عناصرِ شائبةِ ، كبريت، فوسفور، سيليكون ومنغنيز. وبدأت راحة العالمين المذكورين تزداد عندما بدءا بصنع الفولاذ الخاص بهما باستخدام نوع من الحديد التجاري يدعى حديد Sorel، الذي تم صقله وترسيبه من خام خاص في كندا يحتوي على روابط جزيئاتِ الكربيدِ وكميات صغيرة مِنْ الفاناديوم والتيتانيومِ. فقد أظهرت التحليلات أن الأنصال الدمشقية تحتوي على كميات صغيرة جداً مِنْ الفاناديوم. وهذا يؤكد أنّ الفاناديوم هو عنصر شائب رئيس من أجل صناعة الفولاذ الدمشقي.
ولايزال العديد من الورش الفنية الخبيرة في دمشق القديمة تصنع السيوف الدمشقية الثمينة إلا أن النصل الأصلي القاطع الذي اشتهر عبر التاريخ لم يعد ينتج وبقيت الأنصال الدمشقية حبيسة أشهر خزائن النفائس والمجوهرات النادرة في أضخم متاحف العالم.
ويؤكد السيد نوح أحد مالكي المحلات في قلب دمشق القديمة والمتخصص بالتجارة بالمجوهرات والخزف والتحف أن الكثير مما لديه على الرفوف ليس مميزاً، بل فقط تقليد للقطع الأثرية. أما ما هو مدفون في الخلف تحت كومة من الصناديق والقطع الخزفية الجديدة القديمة، فهو شيء استثنائياً وقيم بالفعل، سيف فولاذي دمشقي، وبنصله الرفيع وانحناءته ولونه الرمادي المعتم يكون نقيض سيوف العرض المبهرجة التي يبيعها لزوار كُثر. يقول «هذه السيوف مميزة، هي جزء جوهري من تاريخنا وثقافتنا. يعرف بعض الناس السيف الفولاذي الدمشقي بالإسم ولكنهم لم يرَوا واحداً من قبل، وذلك مخجل فنحن لم نعد نرى الكثير منها هنا».
يقول التاجر «الكثير من السيوف القديمة غير كاملة، كانت تُستخدم في القتال وذلك يعني أنها تعرضت للكسر، وذلك بدوره يعني أنه ليس من السهل العثور عليها، ومنذ خمس عشرة إلى عشرين سنة اعتدنا رؤية سيوف أكثر هنا، الآن هي قليلة، ذهب الكثير منها إلى الخليج، أو هواة الجمع في أوربا واليابان».
وقد صُنع السيف الذي في محل السيد نوح من قبل أسد الله الدمشقي، واحد من الحرفيين الشهيرين الذين أقاموا في سورية في أواخر فترة الفولاذ الدمشقي، ورغم أنه جيد يقول السيد نوح إنه لن يساوي أكثر من سبعة آلاف دولار، بعض السيوف الفُضلى والأقدم منه تنتقل ملكيتها مقابل مليون دولار.
يقول «أفضّل ألا أبيع أياً منها، فعندما أبيع واحداً أبكي، أشعر بحزن عميق والله، لأنني أعرف أنه قد رحل، ولن أراه من جديد. إن اشترى أحدٌ هذا السيف فقد لا أرى سيفاً فولاذياً دمشقياً حقيقياً آخر لخمس أو عشر سنوات».
لكن إن الضرورة الاقتصادية تدفع بعض العائلات إلى التوجه نحو السيد نوح كي تبيع أسلحتها، يقول «من الأحسن أن يورث الناس سيوفهم لأولادهم ويحتفظوا بها ضمن عائلتهم، أعتقد أن الجميع سيفضلون ذلك ولكننا مضطرون أحياناً إلى بيع هذه الأشياء، إننا بحاجة إلى المال لذلك علينا بيعها».
إن تلك العائلات والقبائل التي احتفظت بسيوفها تنزع إلى أن تكون متكتمة جداً، بحسب السيد نوح، «يغارون جداً عليها، السيف شيء شخصي جداً فلا يريدون إظهاره للغرباء». لقد انقرض فن صناعة السيوف الفولاذية الدمشقية الحقيقية على نحو غامض في القرن الثامن عشر، وحتى هذا اليوم لا يعرف أحد الطرق الدقيقة المستخدمة، وفي عام 2001، بعد مرور مئات السنين على ذروة عهد السيوف، حاول خبراء في الولايات المتحدة إعادة إنتاجها مستخدمين أحدث التقنيات ولكن النجاح كان محدوداً.
يقول الدكتور بن برونسون خبير الفولاذ الدمشقي والمقيم في شيكاغو «كانت هذه السيوف التقاء فريداً لنوع خاص من الفولاذ مع الطريقة التي صُنعت بها ببراعة من قبل صانعي سيوف ممتازين، عرف الصليبيون السيوف الدمشقية جيداً، عرفوها ورهبوها وأُعجبوا بها، كان السيف الدمشقي متفوقاً جداً على ما كانوا يستعملونه».
تقول الأسطورة إن النصل الدمشقي كان يستطيع أن يشرّح المصنوعات الفولاذية الأخرى، وقد تُقسم قطعة من الحرير إذا أُسقطت على سيف لا يتحرك، يقول الدكتور برونسون “تلك الحكايات محض أساطير”. ويضيف «لكن أمكن شحذ السيف الدمشقي كحد الشفرة وحافظ رغم ذلك على حدته بشكل جيد، أظن أنه كان هناك شيء من الصحة في رواية أن فُضلى السيوف قد تَقسم قطعة من القماش إذا أسقطت على الحد».
ويقول الدكتور برونسون القيم السابق على الآثار الآسيوية في متحف شيكاغو الشهير عالمياً، إنه لم يُلقِ بناظره أبداً على سيف فولاذي دمشقي صُنع في العاصمة السورية، العثور على سيوف فولاذية دمشقية أصيلة من سورية سيكون أمراً مثيراً جداً. ويقول :«إنها نادرة جداً لآن معظم السيوف لم تكن من دمشق، ربما يمتلكها السوريين ولكنهم يتكتمون على ذلك. اليابان مركز كبير آخر لصناعة السيوف وإذا ذهبت إلى هناك فلن يُظهر لك الناس سيوفهم القديمة، إنه أمر شخصي، لا يريدون أن يُظهروا سيوفهم: هي مُهمة جداً».
إن قدَراً كبيراً من الإرباك يحيط بالسيف الدمشقي، يعود في جزء منه إلى أن بعض الأشكال الحديثة منه ذاتُ تصميم دمشقي متقن: سلسلة من التموجات والعروق على سطح نوعِ فولاذ عادي أكثر، أما في السيف الدمشقي الأصلي فالتموجات أخف وليست مجرد تزيينات، بل جزء من تركيبة الفولاذ وأحد أسباب كونه قاسياً ومطواعاً معاً، يقول الدكتور برونسون «ربما لم يكن للسيوف الفُضلى تصاميم على نصالها، لو امتلكت سيفاً فولاذياً دمشقياً عالي الجودة أصلياً ما أردت إخفاءه تحت تصاميم إضافية، لم تكن السيوف الفضلى مبهرجة التصميم».
سيف دمشقي
وكما هو الحال مع كل مافي دمشق فإن سيوف دمشق لم تبح بعد بكل أسرارها، والسبب هو التعقيد الكبير فى صناعتها لتبقى الكيفية التي تمكن بها حدادو العصور الوسطى من التغلب على ضعف المادة الصلبة لإخراج هذا المنتج النهائي القوي سرًا من الأسرار حتى يومنا هذا. خاصة وأن الأنصال الدمشقية الأصيلة تعد كنوزاً حقيقيةً فلا يسمح مالكوها لعلماءِ المعادن بتقطيعها مما يحد من المزيد من الدراسات عليها. ويتجلى لنا أن السيف الدمشقي ليس فقط أقوى من أي سيف آخر وأي معدن آخر ولكنه أقوى من التاريخ ذاته، حيث أن سره قد دفنه التاريخ بينما قوته قطعت حواجز التاريخ.
===============================
د. دارم طباع : مقال سرّ السيف الدمشقي في تقنية النانو.
أسامة نعمان : علماء ألمان يكشفون أسرار السيوف الدمشقية التي هزمت الصليبيين، الشرق الأوسط، السبـت 27 شـوال 1427 هـ 18 نوفمبر 2006 العدد 10217.
خالد الأحمد : السيف الدمشقي.. السر الذي حير علماء الغرب، جريدة الراية، الاثنين 11/8/1427هـ – الموافق 4/9/2006 م.
مقال في جريدة الثورة بعنوان : مجلة علمية : السيوف الدمشقية متفوقة، 20/11/2006
خالد العريفي : لغز السيف الدمشقي، مدونة ماء الذهب، 18 نوفمبر 2008.
موفق تقي الدين: السيف الدمشقي نانو تكنولوجي، الرابطة العربية للوقاية من الاشعاع، 5 أغسطس, 2012.
——————-
المقال الألماني الذي تحيل عليه الكثير من المراجع هو من نشر مجلة نيتشر الألمانية : «الأنابيب الكربونية النانوية في السيوف الدمشقية القديمة»، العدد 444، الخميس 16 نوفمبر 2006. وحبذا لو نطلع على ترجمته

10 تعليقات على “سر السيف الدمشقي الضائع من زمن المجد الضائع

    • هل وجدت نسخة من تلك السيوف أم أنك تقصد طريقة صناعتها؟
      وجدت طريقة صناعة السيف الدممشقي وتسمى دمشقة السيوف، والسيف المصنع بها يسمى سيفاً مدمشقاً. لكن التقنية هذه لم تستطع الوصول الى القوة الاسطورية للسيوف الدمشقية المتمثلة في تقنية النانو الموجودة فيها.
      للأمانة وصلنا الى نسخة حقيقية من سيف دمشقي. وحالما تتوافر لدي القدرة سأحاول ان اشتريه ان بقي متوافراً باذن الله.

      • انني اعمل منذ سنوات على هاذ العمل والحمدد لله بوادر خبر ظهرت بوادر خير والله الموفق

  1. bassel @ هل يمكنك ان تشاركنا بحثك ؟ الحقيقة لدي بحث بالجامعة حول هذا الموضوع .. جزاك الله خيرا

  2. فى بس حاجة هنا ف الترجمة ال سيمنتيت دا ال fero-carbied اللى هو كربيد الحديد مش الاسمنت
    الترجمة
    ويعتقد الباحثون ان هذه المعادن هي التي تؤدي الى تشكيل الخيوط النانوية الاسمنتية، الا انهم لا يعرفون الكيفية التي تتشكل بها.
    الصواب ان انابيب النانو هي من الكربون ف كربيد الحديد

أضف تعليق