الاصلاحات التي قام بها السلطان عبد الحميد الثاني

فقاعة

مع ارتقاء السلطان عبد الحميد الثاني سدة حكم السلطنة 1876م اتخذت عملية الإصلاح منحى جديدا نبع من إيمانه

أولا: بأن الإسلام هو”القوة الوحيدة التي تجعلنا أقوياء” ،
وثانيا: بأن أوروبا لا تريد الخير لدولته
وثالثا: بأن ظروف الدول مختلفة، فما يصلح لواحدة قد يضرأخرى، ولهذه العوامل كان يرفض عملية التقليد للغرب وإن كان يرى أن الإسلام لا يمنع اقتباس العلوم والتقنية وأسباب القوة بشرط أن يكون الإقتباس حسب الحاجة الداخلية للدولة وليس تنفيذا لأوامر من الخارج، فالغرب لا يسير إلا خلف مصالحه الذاتية ولهذا فإنه لن يساعد في تقديم المساعدة العلمية للدولة طالما أنه يمكنه بيعها جاهزا ما تود هي تصنيعه، هذا فضلا عن أنه يسعى لتفتيت الدولة العثمانية والقضاء عليها ولذلك فقد أثبتت التجربة أن اتباع نصائح أوروبا وتنفيذ أوامرها لن يأتي إلا بالهزيمة والدمار، هذا إلى جانب أن ما يصلح لدولة تتكون من عنصر واحد قد يكون سما لدولة تتكون من عناصر شتى من السكان، وظروف دولة تقع في أقصى الأرض تختلف عن ظروف دولة تقع في وسطها.
1- المعرفة والعمران
———————-
قام السلطان بمحاولة نهوض شامل في كافة أرجاء السلطنة وتحديثها- دون تغريب- مركزا على محورين:المعرفة والعمران، مع محاربة التأثيرات الفكرية والسياسية الغربية ـ التي إضافة إلى أنها نابعة من حضارة أوروبا التي لا سبيل إلى جمعها مع حضارة الإسلام في رأيه ـ فقد فتحت الباب لاستقطاب الولاء للغرب بين العثمانيين، ولهذا حاول إعطاء هذه النهضة محتوى إسلاميا بدعم نشر الفكر والرابطة الإسلاميين؛ فتحت بند المعرفة: تم تأسيس كليات الهندسة، والطب، والعلوم، والآداب، والحقوق، والعلوم السياسية، والفنون الجميلة، والتجارة، والزراعة، والبيطرة ومعاهد المعادن، والغابات، والتجارة العسكرية، والمعلمين واللغات، كما تم بناء المدارس الإبتدائية ونشرها في قرى السلطنة، بالإضافة إلى المدارس المتوسطة في مراكز الأقضية والمدارس الثانوية في مراكز الألوية، هذا بعد أن كان بناء المدارس يسير ببطء إلى بداية حكم السلطان وقد نتج عن انتشار المدارس في عهده تضاعف أعداد من يقرأون ويكتبون إلى نسب عالية وصلت في بعض المدن إلى عشرة أضعاف،
– لقد كان اهتمام السلطان عبد الحميد بالتعليم واصلاحه في كافة المجالات منها:
ا. انشا المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية بحيث درست فيها مختلف المواضيع.
ب. انشا اول جامعة علمية في استنبول سنة 1900 والتي شملت اربع كليات: كلية العلوم الدينية, الكلية الرياضية, الكلية الطبيعية, والكلية الادبية.
ج. ارسال بعثات طلابية الى الدول الاوروبية وخاصة المانيا للدراسة بهدف خلق كادر جيد من الموظفين يستعين بهم في المجال الاداري.
د. انشا اكثر من 18 مدرسة ومعهد للتعليم العالي, تدرس فيها المواضيع المختلفة مثل القانون, الفنون, التجارة, الهندسة, البيطرة, الشرطة والطب وغيرها.
ه. انشا مؤسسات ثقافية متنوعة مثل المتاحف ( متحف الاثار القديمة والمتحف العسكري) والمكتبات (مكتبة بايزيد ومكتبة يلدز).
وقد حرص السلطان على أن يكون محتوى التعليم إسلاميا بمراقبة المناهج واستبعاد أصحاب الميول الغربية والإنفصالية من هيئات التدريس، كما عمل على نشر الفكر الإسلامي عن طريق طباعة وتوزيع الكتب الإسلامية ، ومن أمثلة ذلك: أمره بطباعة صحيح البخاري سنة 1892 في المطبعة الأميرية في مصر، وكذلك أمره بطباعة كتاب إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي الذي يحتوي على مناظرات مع المبشرين، ولعل في هذين المثلين من العبرة مايكفي ومن المرافق العلمية كذلك: المدارس الصناعية ومدارس الصم والبكم والمكتبات: كمكتبة بايزيد ومكتبة يلدز، والمتاحف كمتحف الآثار القديمة والمتحف العسكري. أما عن العمران: فقد شمل المشاريع المائية، والبريدية، وسكك الحديد، والمعامل المختلفة، والمستشفيات، والغرف التجارية، والصناعية، والزراعية، ودور العجزة والنفوس، كما تم في هذا العهد إدخال الهاتف، والسيارة، والترام، والتلغراف، في مواصلات واتصالات الدولة.
مجالات أخرى شملها التحديث في عهد السلطان عبد الحميد لم تقتصر النهضة الحميدية التحديثية على المعرفة والعمران، بل شملت نواح أخرى لاقت درجات متفاوتة من النجاح منها:
2- الإقتصاد :
————–
شهدت العهود التي سبقت عهد السلطان عبد الحميد تسللا واسع النطاق للنفوذ الإقتصادي الغربي في الدولة العثمانية نتيجة لما أحدثته سياسة التنظيمات ولجوء الحكام إلى الإقتراض الموسع من الدول الغربية ، ورغم تأكيد بعض الباحثين على استمرار اندماج اقتصاد الدولة في العهد الحميدي بالإقتصاد الأوروبي الرأسمالي ـ بشكل تابع طبعا ـ وذلك لعدم قدرة السلطان على وقف الموجة العاتية، فقد رأيناه يتخذ كثيرا من الإجراءات للحد من النفوذ الغربي، ولعل أهم هذه الإجراءات هو تقليص نفقات الدولة ، وقد شمل ذلك العديد من المصاريف غير الضرورية التي كانت تهدر في السابق ، مع عدم المساس بالسلع الرئيسة التي يعتمد المواطن عليها كالخبز مثلا، وكان هدف سياسة الترشيد هذه هو عدم اللجوء للإقتراض من الخارج، هذا الإقتراض الذي أفلس الدولة وقيد استقلالها وجعل مواردها بيد أعدائها، وقد حاول تنظيم سداد الديون بإنشاء لجنة الديون العثمانية التي مثلت الدائنين في سنة 1881 ودخل في مفاوضات معها جعلها تخفض الدين إلى أقل من النصف (41%) وتخفض الفائدة إلى 1% كذلك، وتم وضع بعض موارد الدولة تحت تصرف هذه اللجنة وأصبحت الديون تسد بانتظام حتى وصلت إلى العشر (10%) في نهاية عهده ومن تلك الإجراءات المناوئة للنفوذ الإقتصادي الغربي أن السلطان كان يحجم عن تنفيذ بعض المشاريع إذا أحس بالخطر من تسرب رأس المال الأجنبي من خلالها، أويتوجه إلى جهات غير طامعة لتنفيذ هذه المشاريع، كطلبه من اليابان التنقيب عن النفط في الموصل بعد رفضه إعطاء الإمتياز للإنجليز وغضبه من خداع حلفائه الألمان وقد استمر الإقتصاد العثماني في عهده بالإعتماد على قاعدة الذهب والفضة وكانت النقود الذهبية والفضية متداولة أكثر من العملة الورقية وحتى هذه كان بالإمكان تحويلها إلى معادلها من الذهب في كافة أنحاء العالم.
3- الجيش
————
كان السلطان عبد الحميد يرى أن الإعمار أهم من دخول الحروب حتى لو تم إحراز النصر فيها، لأنها تأتي بالويلات والدمار للبلاد، بينما المجد المتحصل منها زائف، ولهذا فإنه لم يدخل مختارا في حرب إلا دفاعا عن النفس ولكن ذلك لم يمنعه من تحديث جيشه تحسبا ليوم عصيب، فزوده بالأسلحة الحديثة واستدعى المدربين والمستشارين العسكريين للإفادة من خبراتهم، وقد أثبت الجيش فعاليته في حرب اليونان 1897م ولعل من أهم إنجازات السلطان تمويله لتجارب الغواصات التي نتج عنها صناعة الغواصتين عبد المجيد 1887وعبد الحميد 1888 في استانبول، في الوقت الذي لم يكن لبريطانيا غواصات كما يذكر في مذكراته، ومن إنجازاته أيضا تحصين مضائق العاصمة بطريقة مكنت القوات العثمانية من صد هجمات الحلفاء في سنة 1915م أثناء الحرب العالمية الأولى وتحقيق الإنتصارات المشهورة في شبه جزيرة غاليبولي ويؤخذ على السلطان إهماله للأسطول الأمر الذي برره بأنه لما حاول إحلال قباطنة عثمانيين محل القباطنة الإنجليز تدخل السفير البريطاني لمنع ذلك، مما دفع السلطان لإسقاط أمر الأسطول من حسابه، ولم يلجأ لتصنيع السفن لأن ذلك يستلزم مالا كثيرا والغرب لا يقرض أموالا لتصنيع ما يمكنه بيعه للدولة جاهزا.
4-القضاء :
————
كان السلطان عبد الحميد يؤمن بأن العدل هو الأساس الذي قامت عليه الدولة العثمانية التي لو كانت قد جلبت الظلم لتفتتت منذ البداية، ولهذا حاول القيام بإصلاح في مجال القضاء هدف إلى تحقيق المساواة بين الجميع أمام القانون وكفالة تطبيق العدالة بأسرع وقت عبر التنظيم التشريعي و الإداري، ومن الإجراءات التي اتخذها في هذا الحقل: إنشاء كلية الحقوق لإعداد رجال قانون متخصصين، وتنظيم وزارة العدل وعلاقاتها بمختلف أنواع المحاكم ووضع برنامج للإصلاح استهل بقوانين صدرت بداية من سنة 1879م؛ يقول الأستاذ الدكتور عبد العزيز الشناوي عن أثر هذه الإصلاحات في كتابه الدولة العثمانية ج 3 ص 1171: “وقد حققت هذه القوانين وغيرها مستوى رفيعا من العدالة والنزاهة والنظام في البنيان القضائي لم تشهد الدولة له من قبل مثيلا. وكان جميع المتقاضين في المحاكم المدنية على اختلاف درجاتها وكذلك جميع المتهمين أمام محاكم الجنايات متساوين أمام القانون بصرف النظر عن دياناتهم أو مذاهبهم أو مراكزهم الإجتماعية”، ولكن الغرب لم يكن سعيدا بهذه الإصلاحات لأنها وضعت العثماني والأجنبي أو المتمتع بالحماية الأجنبية داخل الدولة العثمانية على قدم المساواة، وأصرت الدول الأوروبية على عدم تطبيق القوانين الجديدة على رعاياها مستندة في ذلك إلى معاهدات الإمتيازات الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى إجهاض الثمار المرجوة من هذا الإصلاح وتحديد فاعليته.
5- السلطان عبدالحميد والوحدة الإسلامية
———————————————–
ارتبط اسم السلطان عبد الحميد في معظم الدراسات بفكرة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها واتخذها سياسة رسمية له، وقد توصل إلى ضرورتها بعدما رأى تكالب دول الغرب على العالم الإسلامي داخل الدولة العثمانية وخارجها، ولهذا عمل على جمع المسلمين تحت راية الخلافة لعلهم يتمكنون من صد الهجمة الإستعمارية التي كانت في ذروتها إبان عهده ولم يستثن السلطان أحدا من المنتمين للإسلام من دعوته مهما كان مذهبه أو قوميته أو موقعه الجغرافي، فقد شكل عهده قطيعة مع الماضي فيما يتعلق بالعلاقة بين أهل السنة والشيعة حين حاول إزالة الإحتقان الذي رسبته قرون من سوء التفاهم والعداوة، وفتح للشيعة أبوابا كانت مغلقة مثل حرية التعبير والدعوة والنشر حتى في عاصمة الدولة مما أثار حفيظة بعض المتشددين من أبناء السنة، كما غض النظر عن تشيع كثير من أبناء جنوب العراق ولم يعد ذلك توجها معاديا للخلافة، وحاول التقارب مع إيران لتفويت الفرصة على بريطانيا وروسيا اللتين تطمعان في أراضي الدولة العثمانية وإيران معا، بل إن دعوته لم تستثن حتى الدروز، ويحكي الأمير شكيب أرسلان كيف أنه عندما كان جماعة من مشايخ دروز حوران في استانبول أمر السلطان بأن يصلوا الجمعة خلفه في جامع يلدز.
أما ما قدمه السلطان لدعم دعوته بين قوميات مختلفة من المسلمين، فهو لم يكتف بمطالبتهم بالإلتفاف حول الخلافة بل قام بجهود أوجدت أرضية مادية صالحة لانتشار فكرته
المراجع
مصادر
^ كتاب السلطان عبد الحميد الثاني بين الإنصاف والجحود لمحمد مصطفى الهلالي
^ كتاب موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية للدكتور حسان حلاق
^ من كتاب موقف الدولة العثمانية
^ الباحث فاضل بيات عن السلطان في كتاب دراسات في تاريخ العرب في العهد العثماني

فقاعة


صورة نادرة للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني 1876-1909 لحظة تبليغه بقرار البرلمان الذي اجتمع في 27 نيسان 1909 ،وقرر خلع السلطان عبد الحميد الثاني بموجب فتوى من شيخ الاسلام محمد ضياء الدين افندي وتنصيب اخيه محمد رشاد بأسم السلطان محمد الخامس 1909-1918 .والجدير بالذكر ان الذي بلغه القرار النائب اليهودي عمانوئيل قره صو . وقد رد السلطان على قرار الخلع بكلمة : “” قسمت “” أي “” قسمة “” . (أرشيف الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل-العراق )

 

السلطان عبد الحميد العثماني

فقاعة

عبد الحميد الثاني السلطان الرابع و الثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، و آخر من امتلك سلطة فعلية منهم. ولد في 21 سبتمبر 1842 م وتولى الحكم عام 1876 م. تآمر عليه اليهود – كما أشار د. حسان حلاّق في كتاب دور اليهود والقوى الدولية في خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش – لأنه رفض التنازل لهم عن شبر واحد من أرض فلسطين فأبعد عن العرش عام 1909 م بتهمة الرجعية، وأقام تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته في 10 فبراير 1918 م.

ولد سنة 1842 وتلقى تعليمه بالقصر السلطاني واتقن من اللغات: الفارسية والعربية وكذلك درس التاريخ والأدب.
استلم مقاليد الحكم في 31 أغسطس 1876، وفي نفس السنة دخلت الدوله العثمانيه في ازمه ماليه خانقه في فترة السلطان عبد العزيز المبذر ونجح العثمانيون الجدد من الاطاحه بحكمه سنة 1876 ونودي بمراد الخامس ليكون السلطان الجديد، الا انه عُزل بعد مده قصيره قوامها حوالي ثلاثة اشهر، فتولى عبد الحميد الحكم من بعده الذي وافق مع العثمانيين الجدد على اتباع سياسه عثمانية متحررة.
أظهر السلطان روحا إصلاحية وعهد بمنصب الصدر الاعظم الي مدحت باشا أحد زعماء الاصلاح فأمر بإعلان الدستور وبداية العمل به، وقد كان الدستور مقتبسا عن دساتير دول أوربيه مثلبحث عن عبد الحميد الثاني ، بحث علمى كامل جاهز عن السلطان عبد الحميد الثانىبلجيكا و فرنسا و غيرها). وضم الدستور 119 ماده تضمنت حقوق يتمتع بها السلطان الحقوق الدستوريه كأي ملك دستوري، كما نص الدستور على تشكيل مجلس نواب منتخب دعي بهيئة المبعوثان.
لم يكن السلطان راضياً بقراره الدستوري الذي يقيد صلاحياته فأخد ينتهز الفرص لتعطيل والتخلص من زعماء الإصلاح وعلى رأسهم مدحت باشا، وكان ذلك عندما نشبت الحرب الروسيه-العثمانيه سنة 1877 فانقلب على أعقابه وأقاله، وما لبث أن نفاه إلى سوريا اولا ثم إلى الحجاز حيث اغتيل هناك، ثم عطل السلطان الدستور وحكم الدوله العثمانيه حكم استبدادي اوتقراطي حتى أقيل عن حكمه نهائيا سنة 1909 على أيدي اعضاء جمعية الاتحاد والترقي.
المراجع :
– السيرة الذاتية للسلطان عبد الحميد الثاني اورخان محمد
– من كتاب السلطان عبد الحميد الثاني بين الإنصاف والجحود لمحمد مصطفى الهلالي

نظام الإلجاء وعبقرية السلطان عبد الحميد الثاني

فقاعة

 

تمتع السلطان عبد الحميد بعقل كبير وعبقرية فذّة، ومن ذلك مناوراته السياسية الداخلية والخارجية.
ظهر نظام الإلجاء بشكل كبير بعد صدور قانون الطابو عام 1859م والذي ينظّم ملكية الأراضي في الدولة ضمن مجموعة القوانين الغربية التي حوّلت الدولة ومسختها في عهد محمود الثاني وعبد المجيد وعبد العزيز، ونظام الإلجاء يعني أن يقوم الفلاح المسكين الذي أنهكته الضرائب والوضع الأمني السيء بتسجيل أرضه باسم أحد الباشوات أو المتنفذين في منطقته مقابل حمايته وضريبة أو نسبة يدفعها الفلاح لهذا الشخص، طبعاً تسبب هذا النظام في اتساع إقطاعيات وملكيات الأثرياء وتهجير الفلاحين وتشريدهم لعدم قدرتهم على الإيفاء بالتزاماتهم فانتزعت الأرض منهم.
——————-

فقاعة
-الصورة لقرية الجفتلك الفلسطينية في غور الأردن-
كيف تعامل السلطان عبد الحميد مع هذا النظام الجائر، وكيف سخّره بطريقة عبقرية ليتهرب من تحكم الدائنين (الدول الغربية) في مؤسسة الديون العامة مع تجنيب الفلاحين الضرائب الكبيرة ليساعدهم على عمارة أراضيهم ؟
ما حدث أن السلطان عبد الحميد استخدم هذا النظام بأسلوب ذكي جداً، حيث فتح مراكز الجفتلك (الأراضي الأميرية) للفلاحين الراغبين في إلجاء أراضيهم للسلطان، فأقبل الفلاحون يسجلون أراضيهم تحت اسم السلطان مقابل خمس المحصول تدفع للسلطان، والخمس يعتبر قليلأ جداً إذا ما قورن بالضرائب الكبيرة التي كانت تفرض على الفلاحين.
هذه الضرائب كانت تتحكم فيها الدول الأوروبية بحجة ضمان تسديد ديونها، فقد كتب السلطان في مذكراته عام 1902م عنها يقول:يؤدي الأتراك ضرائب عن الأرض 400 وعن المسقفات 100، وعن كل رأس ماعز 3 قروش وعن كل رأس غنم 4 قروش، وواضح أنه بعد دفع هذه الضرائب لا يبقى لهم إلا النزر اليسير، فلا مجال إذا لتحميلهم فوق ما يطيقون، فلا بد أن تقبل الدول الكبرى بضريبة الدخول.
ونتيجة لذلك بلغت ملكية السلطان عبد الحميد ما يقرب من خمسين مليون دونم من الأراضي الزراعية، 60% منها في فلسطين وسوريا، وأكثر من 20% منها في العراق، وهذه المناطق كانت تشهد تسلّط الباشوات والآغوات على الفلاحين، كما شهدت غزوات البدو الذين كانوا ينهبون القرى، بالإضافة إلى محاولات اليهود وعملائهم الاستيلاء على الأراضي الزراعية عن طريق شرائها من الفلاحين والإقطاعيين.
—————–
 ما هي النتائج التي ترتبت على إلجاء الفلاحين لأراضيهم تحت اسم السلطان عبد الحميد ؟
فقاعة

كانت النتيجة انتعاش الزراعة في الأراضي الأميرية بشكل كبير مما دفع عجلة العمران في تلك المناطق وحسّن من حالة الفلاحين فيها، وكمثال لذلك نستعرض حالة المنطقة الممتدة بين مدينة جنين وبحيرة طبريا في فلسطين، فقد أدت غارات القبائل البدوية ونظام الضرائب إلى خراب 40 قرية، اما بعد الحركة الإصلاحية للسلطان فقد تمّ تعمير 21 موقعاً آيلاً للخراب بما فيهم مدينة بيسان بالإضافة إلى بناء 29 موقعاً جديداً.
كذلك أسهمت هذه الحركة بزيادة ثروة السلطان التي كانت الساند الرئيسي لميزانية الدولة، فبعد أن كانت الضرائب تذهب إلى مؤسسة الديون التي تقوم بتسديدها مباشرة إلى الدول الأوروبية الدائنة، أصبحت ضريبة الخمس تذهب إلى السلطان فيقوم بتوجيه هذه الأموال أينما يشاء في دولته، وقد اشتكى السلطان من تسلط الدول الأوروبية على أموال الدولة بحجة الديون في مذكراته، ويبدو أن هذه الطريقة العبقرية ساهمت في تطوير الدولة من خلال سيطرتها على مواردها وتوجيهها حيث تشاء.
ومما لا بد أن نشير إليه، أنه لم ترد إشارة واحدة في التاريخ عن قيام السلطان بالاستيلاء على أراضي رعيته، أو قام بإجلائهم عنها أو استبدلهم بآخرين ليعملوا فيها بعد تنازلهم عنها للسلطان، وإن حدث بعض التجاوزات من قبل ممثلي السلطان فقد كانت تسوّى على الفور، ومنها أن عشيرة الضراغمة في غور الأردن رفعوا قضية على السلطان في محكمةالتمييز في نابلس بسبب قيام ممثلي السلطان بالاستيلاء على جزء من أرضهم غير المزروعة وضمها للأراضي السلطانية، فقضت المحكمة برفع اسم السلطان عنها وإعادتها إلى أصحابها.
——————

أخيراً، ماذا حدث للأراضي السلطانية بعد عزل السلطان عبد الحميد ؟

فقاعة
بعد إعادة العمل بالدستور عام 1908م أجبر الاتحاديون السلطان على التخلي عن ملكيته لخزينة الدولة، ومنذ ذلك الوقت سعى أعضاء الجمعية إلى استغلال هذه الأراضي إما بالبيع أو التأجير من أجل الاستثمار بحجة تنميتها واستفادة الدولة منها، مما أثار حفيظة الفلاحين وبعض أوساط المعارضة داخل الدولة الذين أوقفوا هذه التحركات أو حدّوا منها، مع العلم أنه خلال المدة الطويلة التي شهدت ملكية السلطان لهذه الأراضي لم يتم تسجيل أي محاولة من طرف السلطان لتحويل ريعها إلى ممصلحته أو محاولة توريثها لورثته أو تأجيرها لغير أصحابها، بل كانت ثروة السلطان الداعم والسند للدولة في الملمات.
هذه الملكية الكبيرة أثارت شهوة الحركة الصهيونية التي سعت إلى امتلاك هذه الأراضي من خلال شركات واستثمارات منها شركة الأخوين الأصفر من بيروت التي سعت لامتلاك أراضي بيسان والحولة لكنها فشلت بسبب المعارضة الشعبية لذلك، لكن حصلت الحركة الصهيونية على مرادها بعد سقوط الدولة العثمانية مع نهاية الحرب واستطاعت من خلال سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين من السيطرة على مساحات واسعة من هذه الأراضي بشكل مباشر مثل أراضي عرب الصقر وسيرين وكفر مصر، أو من خلال شرائها من بعض العائلات المتنفذة الإقطاعية التي نجحت في ضمّ جزء من الأراضي الأميرية إليها من خلال شرائها من الفلاحين بسعر زهيد نتيجة الحاجة، أو من خلال عملهم ومعرفتهم بدوائر الطابو والمعاملات الحكومية ودهاليزها.

رحم الله السلطان عبد الحميد رحمة واسعة وجزاه كل خير عن هذا الجهد.

——————————————————————————————-
بحث للدكتور أمين أبو بكر، من مجلة جامعة النجاح للأبحاث، العلوم الإنسانية، المجلد 17، 2003، بتصرف
مذكرات السلطان عبد الحميد السياسية، الناشر مؤسسة الرسالة – بيروت.

السلطان عبد الحميد وتهمة الاستبداد

فقاعة

 

اتهم الكثير من العرب والعجم السلطان عبد الحميد بالاستبداد، لكن الحقيقة التي تظهر من خلال مذكراته التي كتبها تقول شيئاً آخر، وهنا نستعرض اقتباسين اثنين مما كتب
كتب عام 1877م بعد توليه الخلافة بعام: وأعرف أن رجال المباحث والمخبرين أناس سفلة عديمو الشرف وأن ديننا يلعن أهل الزور، إلا أنه لو لم يكن لي هذا الجهاز الكبير من المخابرات لكان مستحيلاً علي حماية نفسي من الأخطار المحدقة بي من كل جانب.
أما في عام 1898م فقد تحدث عن قانون ولاية العهد الذي كان ينص على أن يتولى الأكبر سنّاً من العائلة الحاكمة ولاية العهد، بينما كان السلطان يرى أن تكون ولاية العهد لابن السلطان نفسه، يقول: تقدّمت ثلاث مرات إلى شيخ الإسلام أطلب منه الموافقة وقد أبدى الشيخ تفهّماً ولكنه لم يشأ أن يتحمل مسؤولية النتائج التي يمكن أن تترتب على هذا التغيير.
فلو كان طاغية مستبداً لأصدر أمره بتغيير القانون وانتهى الأمر.