المجدد للالف الثاني مولانا الشيخ احمد الفاروقي السرهندي (971 – 1034هـ)،

المجدد للالف الثاني مولانا الشيخ احمد الفاروقي السرهندي (971 – 1034هـ)،

صورة

الشيخ: أحمد بن عبد الأحد بن زين العابدين الفاروقي،يعود نسبه للفاروق امير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه “السرهندي نسبة الى بلدة “سرهند او سهرند” – بلدة عظيمة بين دهلي ولاهور -، وهو المشهور : بمجدد الألف الثاني.
ولد ليلة الجمعة 14 شوال 971هـ – 1563م في سرهند و عرض له بعد أيام من ولادته ما يعرض علي الصبيان من مرض فجاء به والده شيخه شاه كمال القادري فقال له شيخه لا تخف فتوسم الشيخ فيه النجابة والصلاح .
علومه ومعارفه وشيوخه في العلم :
حفظ القرآن، وقرأ على أبيه أولا، واستفاد منه كثيرا من العلوم، واستظهر عدة من المتون في أنواع العلوم مع اتقان المنطوق ,
ثم ارتحل إلى سالكوت، وتتلمذ على الشيخ المحقق:
كمال الدين الكشميري بعض المعقولات بغاية من التحقيق،
وأخذ الحديث الشريف عن: الشيخ يعقوب، المحدث الكشميري، وقد أخذ عن كبار المحدثين بالحرمين الشريفين مثل ابن حجر المكي و عبد الرحمن ابن فهد المكي و حصل على إجازات في كتب الحديث و التفسير و بعض كتب الأصول وأسند الحديث عنهم ، وتناقل الحديث المسلسل بالرحمة بواسطة واحدة، عن الشيخ: عبد الرحمن بن فهد – من كبراء المحدثين في زمانه بالهند -، وتعاطى عنه إجازة كتب التفسير، والصحاح الست، وسائر مقروءاته. وروى الحديث المسلسل بالأولية عن القاضي: بهلول البدخشاني، عن ابن فهد المذكور، ولعله هو الواسطة في الإجازة بينهما، وفرغ من التحصيل في عمر سبعة عشرة سنة، واشتغل بالتدريس. وكانت له يد طولى في العلوم الادبية وكان من الفصاحة والبلاغة وسرعة الاستحضار وشدة الذكاء والفطنة
وله: رسائل لطيفة باللسان العربي، والفارسي.
ومن مؤلفاته: (الرسالة التهليلية)، ورسالة: (إثبات النبوة)، ورسالة: (المبدأ (3/ 227) والمعاد)، ورسالة: (المكاشفات الغيبية)، ورسالة: (آداب المريدين)، ورسالة: (المعارف اللدنية)، ورسالة: (رد الشيعة)، و (تعليقات العوارف)… إلى غير ذلك.
أخذ الطريقة القادرية والجشتية عن والده وقام بتعليم الطريقة للسالكين بها.
ولما توفي والده خرج لأداء فريضة الحج ولما دخل مدينة دهلي ووصل الى صحبة شيخه المربي الشيخ محمد الباقي بالله اخذ عنه الطريقة العليه النقشبندية
ولم يمضى شهر وعدة أيام على هذا الحال أجازة الشيخ في الطريقة النقشبندية إجازة مطلقة وأمره بالرجوع إلى وطنه فرجع وجلس على مسند الإرشاد والافاضة وشرع في هداية الطالبين وتربية السالكين بكمال النشاط. وانتشرت كمالاته في سائر الأقطار فتهافت عليه العلماء والفضلاء والأمراء من جميع الديار وكان يحرض اصحابه التمسك بالشريعة واحياء السنة النبوية والعمل بما فيها واجتناب البدعات المخالفة. وكان يحث على ذلك امراء عصره وحكام دهره بواسطة مكاتيب عديدة حتى استنارت أقطار الهند وما يليها بنور السنة النبوية.
. – أبنائه وخلفائه
ومن أبنائه: الشيخ محمد سعيد، الملقب: بخازن الرحمة، له حاشية على (المشكاة)، توفي في سنة 1020، والشيخ: محمد معصوم، يلقب: بالعروة الوثقى، له مجموع من مكاتيبه مفيد، توفي في سنة 1077.
وكان لهما أخ ثالث: يقال له: الشاه محمد يحيى، أخذ عن أخويه، توفي في سنة 1098.
– ومن أجل أصحابه المتأخرين: الشيخ شمس الدين العلوي، من ذرية محمد ابن الحنفية، المعروف: بميرزا مظهر جانجان، كان ذا فضائل كثيرة، وقرأ الحديث على الحاج السيالكوني، وأخذ الطريقة المجددية عن أكابر أهلها، كان له في اتباع السنة،شأن عظيم.
وله شعر بديع، ومكاتيب نافعة، وكان يرى الإشارة بالمسبحة، ويضع يمينه على شماله تحت صدره، ويقوي قراءة الفاتحة خلف الإمام. ومن أجل أصحابه : القاضي ثناء الله الأموي العثماني، من أهل بلدة (باني بت): بقرب دهلي، كان فقيها، أصوليا، زاهدا، مجتهدا؛ له اختيارات في المذهب، ومصنفات في الفقه، والتفسير؛ وكان شيخه المظهر يفتخر به.
ثناء العلماء على الشيخ المجدد احمد الفاروقي السرهندي:
1-خواجه محمد الباقي بالله
فاول من اثنا عليه شيخه خواجه محمد الباقي بالله و استفاد منه كسائر المريدين كما بين ذلك في مكاتبه و لهذا سميت الطريقة الخاصة به الطريقة المجددية و كان الشيخ يستفيد منه تلك الطريقة الخاصة قال فيه ان الوفا من النجوم امثالنا تتلاشي و تضمحل و اشعة انوار شمسه فلو لم يوجد الا هذه الشهادة من شيخه لكفت دليلا على فضله الشامخ
2-مولانا عبد الحكيم السيالكوتي
فكان يعظمه تعظيما بليغا و يقرر بأنه مجدد الالف الثاني و قيل انه أول من اطلق عليه هذا الوصف و قال واحد من معاصريه فلو كان في ايام السلف لعرفوا قدره و مرتبته و درجة كلامه.
قال صاحب سبحة المرجان ( لم يظهر في الهند مثل الفاروقيين: أحدهما في علم الحقائق، وهو الشيخ أحمد السهرندي، والثاني في علوم الحكمة والأدب، وهو ملا محمود ) ( الاعلام للزركلي )»
ومن كبار تلامذته
1-السيد آدم البنوري
2-مير محمد نعمان البدخشي
3-شيخ تاج الدين الهندي صاحب الرسالة التاجية
وفاته:
هجرية 1034 27/ صفر في سرهند
ماثره مواقفه في سبيل نصرة الدين
لقد ترعرع الشيخ السرهندي في عهد محمود جلال الدين المعروف بـ “أكبر شاه” الذي كان متأثرًا بالديانة البرهمية والزرادشتية ، وهو من أباطرة آل تيمور المغوليين الذي انحرف عن الإسلام، وقد تأثر بدعوة بعض الفلاسفة المارقين عن الإسلام بقولهم الامة في حاجة ماسة إلى دين جديد يمارس الناس من خلاله حياتهم الدينية، وتشريع جديد ينظم شئونهم ويدبر معاشهم، ويستغنون به عن الدين الذي سلف وذهابه بذهاب ألف سنة من عمره
واستحوذت فكرة الدين الجديد على نفس الملك أكبر، وشكل لجانًا لنشـر الدين الجديد في نواحي الهند، والذي كان يحتوي على الشرك بكل أنواعه وأصنافه؛ فدخلت عبادة الشمس والكواكب بدلًا من التوحيد الخالص، وأبدلت عقيدة البعث والنشور بعقيدة التناسخ، وأحل الدين الجديد الربا والقمار، والخمر والخنزير، وأباح الزنا وصدر قانون بتنظيمه، وحرم ذبح البقر، وحرم الحجاب… إلخ، وانتشـرت النظريات الفلسفية التي كانت تؤمن بأن العقل وحده قادر على إدراك الحقائق الحاضرة منها والغائبة، حتى استغنوا بالعقل عن الرسل والرسالات وكل ما يتعلق بهما.
-لقد مرت الهند بفترة دقيقة وعصيبة جدّاً في تاريخ الإسلام والمسلمين فقد أوشكت الهند أن تنسلخ عن دينها بسبب جلال الدّين أكبر الذي ارتد وعادى الإسلام والمسلمين عداءً شديداً، حتى يُروى أنّه كان لا يطيق أن يسمع اسم “محمد”، وأنّه كانت تثور ثائرته إذا سمع هذا الاسم الكريم، وأباح الخنزير والخمر، كما أصدر أوامره الشديدة بأنّ كل من يذبح بقرةً فإنّه يُقتل، وحرّم على رجال بلاطه أن يسمّوا أولادهم محمداً وأحمد في هذه الفترة الدّقيقة قيَّض الله تعالى لمواجهة هذه الفتنة رجلاً ربّانيّاً عظيماً، يعدّ من أعظم رجال الإصلاح في تاريخ أمّتنا الإسلامية، ذلك الرّجل هو الإمام الجليل أحمد بن عبد الأحد الفاروقي السّرهندي وهو مجّدد الألف الثاني في خضم هذه الاضطرابات عمل السرهندي على خدمة الإسلام والمسلمين، حتى وصل إلى بلاط الملك أكبر في عهد ابنه وتغير الدين الباطل الذي كانت عليه الدولة إلى دين الإسلام مرة أخرى، وقد ظهر جليًّا في العديد من مؤلفاته دفاعه عن مظاهر الإسلام وتشنيعه على مظاهر الشرك في العبادة ومحاربة البدع الى ان هلك هذا الطاغية الكافر فخلفه ابنه السلطان جهانكير وقد طلب ملك الهند جهانكير الإمام السرهندي لزيارته فذهب إليه، ولمّا دخل عليه لم يأت بالآداب والتقاليد التي كان يلتزم بها الوافدون على السلطان، فلفت بعض أبناء الدنيا – ممّن لا يخافون الله – نظرَ السلطانِ إلى أنّ الإمام لم يراع أدب الدخول عليه، ولم يأت بالتحيّة المعتادة للملوك، فسأله السلطان عن السبب، فقال: “إنّني لم أزل متقيّداً بالآداب والأحكام التي دعا إليها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أعرف غير هذه الآداب”، فغضب السلطان وقال: “اسجُدْ لي”!! .. فقال الإمام: “ما سجدت لغير الله قطّ، ولن أسجد لغيره أبداً”، فتغيّظ السلطان وزاد غضبه فسجنه بيد أنّه لم يستسلم ولم يسكت، بل اتّخذ من السّجن ساحة للدّعوة، إلى الله تعالى، فكان سجنه له خلوةً زادته زكاءَ نفس وسموّ روح وإشراق باطن، فشمّر هذا السّجين كسجين مصر عن ساعد الجدّ والاجتهاد والدعوة والإرشاد في أولئك المسجونين، الذين كانوا معه، ونادى وراء جدران السجن بأعلى صوته: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) ممّا اهتزت له أركان السجن، وسُمع صداه في الخارج، فأسلم على يديه الآلاف من غير المسلمين، وصلح حال الآلاف من المسلمين، فترقّوا في درجات الولاية .. وكان من ثمرات دعوته هذه أن تأثّر بها الملك جهانكير نفسه؛ فأزال كثيراً من مفاسد أبيه، فحرّم الخنزير والخمر، وذبح البقر، وقرّب المسلمين وأقصى الهندوس، وأظهر شعائر الإسلام .. ثم مات الملك، فخلفه من بعده ابنه (شاه جهان) الرّجل الصالح العابد الخاشع، وتوفّي الإمام رضي الله عنه، فخلفه في الإرشاد والدّعوة ابنه النجيب، المتمّم لعمله والأمين على دعوته الشيخ محمد معصوم بن أحمد السرهندي (1007-1079هـ)، وله فضل كبير في تربية السلطان ( عالمكير أورانج زيب) بن شاه جهان، الذي يُعَدّ من أكبر ملوك المسلمين، ليس في الهند فقط، بل في تاريخ الإسلام، وهو الذي دوّن “الفتاوى الهندية” وجعلها قانوناً للدولة، وهو الذي طبّق الأحكام الشرعية بدقّة وعناية، وحفظ القرآن الكريم، وجمع أربعين حديثاً وشرحها، وله عوائد والتزامات لا يقدر عليها كثير من العلماء والعُبّاد؛ فضلاً عن الملوك والسلاطين، هذا الرّجل قلب تيّار الحياة وأرسخ قواعد الإسلام في بلاد الهند وربط مصيرها بالمسلمين وبالعلم والدّين وأزال خطر زوال الإسلام وجلاء المسلمين، كما وقع في إسبانيا.
يقول علي الطنطاوي رحمه الله
إنّ تاريخ المسلمين في الهند يشكّل ثلث التاريخ الإسلامي .. فقد فتح المسلمون بلاد الهند سنة 92هـ، واستمرت الهند إسلامية إلى سنة 1247هـ”.
المراجع :

1- الاعلام للزركلي
2- كتاب ابجد العلوم للقنوجي رحمه الله
3- كيف تأخّر سقوط دولة الإسلام في الهند مائتي سنة؟ د. نصوح الشامي
4- موقع شمس الشموس
اعداد م زاهر عطايا السعدي

أضف تعليق