أفضل وأعدل ملوك الأرض:حضارة العرب والمسلمين في الأندلس

1

 

لا شك في أن كثيراً من الغربيين، يحملهم التعصب الأعمى على إخفاء محاسن حضارة العرب والمسلمين في الأندلس، ولاسيما الحضارة الكبرى التي أوقدوا مصابيحها لأول مرة في أوروبا. ولم يقتصروا على ذلك، بل أخذوا يختلقون سيئات وينسبونها إلى العرب سادتهم وأساتذتهم طوال ثمانية قرون. وسنلخص كتاب: (حضارة العرب في الأندلس) للعالم الشهير والمؤلف الكبير: جوزف ماك جب Joseph MacCabe الذي ألف (250) كتاباً وألقى ألوفاً من المحاضرات، وسافر إلى شتى أنحاء العالم، وأتقن عشر لغات، حتى جعله الأمريكيون أكبر عالم في الدنيا، لأن المؤلف مسيحي وعالم، فلا يمكن أن يتهم بدينه ولا علمه.
ذكر المؤلف المنصف: أن القرون الطوال التي اتسمت بها هذه المدنية المحمدية من البرتغال غرباً إلى السند شرقاً، قد وصلت في القرن الرابع عشر عند العرب إلى المستوى الذي كانت قد وصلته الحضارة اليونانية والرومانية إن لم نقل إنها فاقتها. فقد ارتقى النوع البشرى في إسبانيا خلال قرون عديدة إلى أعلى درجات الهناء والغبطة والسعادة والشغف العام بكسب العلوم والفنون، والإحسان إلى البؤساء، وترقية الفنون والتهذيب، ولعله إلى هذه الأيام، لم تطلع الشمس على أمة أسعد ولا أهنأ ولا أرغد عيشاً ولا أكثر رغبة في التمتع بالجمال والعلوم والأعمال المجيدة من عرب الأندلس. ولا مراء أن مؤرخينا – يقصد مؤرخي الغرب – لا يبسطون القول في هذا الفصل الذي هو أهم فصل في التاريخ لأسباب أربعة:
أولها: إن حال إسبانيا وصقلية والشرق من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر، هي نقيض لحال أوروبا النصرانية والقذرة إلى حد لا يتصور.
والثاني: مع أن العرب، ابتدأ رقيهم من درجة متوحِّشة مثل القوط والفندال، فقد شجعهم بقايا مدنية اليونان والفرس على أن يشيدوا مدنية زاهية في أقل من قرنين، بينما سكان أوروبا تحت سلطان (البابوات) مضت عليهم سبعة قرون قبل أن يصلوا إلى درجة هي أدنى بكثير من مستوى العرب والمسلمين.
والثالث: أن هؤلاء العرب الذين شيدوا هذه الحضارة الزاهرة، كانوا من المتسامحين في الدين، ولم يكونوا من المتعصبين.
والرابع: أن حضارة أولئك العرب، كانت مقدمة للتجديد والتقدم الذي نحن فيه اليوم.
إلاّ أنني أختصر القول هنا، فأقول: إن هذه الحضارة هدمها المتعصبون من نصارى إسبانيا في الأندلس، ثم يقول: لقد مضى ألف سنة إلا قليلاً، على الناس، بعد اندراس مدنية العرب في الأندلس، قبل أن يوجد كتاب يستحق إضاعة الوقت في قراءته، وبعبارة أخرى، كانت للعرب في زمان مجدهم كتب قيمة، فلما مضوا وأُحرق أكثر تصانيفهم، بقي للناس ألف سنة تقريباً، لا يجدون كتاباً يستحق أن يُقرأ، وقد قال ستوارت في كتابه: (تاريخ الآداب العربية): كان في الأندلس ألفا ألف مصنّف، ولم يصلنا من كتبهم إلاّ شيء قليل.
وقال المؤلف في كتابه: (الأخلاق): كان في المملكة الإسلامية طوائف عشرين ديناً منقسمين إلى مائة مذهب، وكلهم كانوا يعيشون بسلام وتسامح. والخراج القليل الذي كان يفرض على غير المسلمين، كان في الحقيقة مدداً لبيت المال، ولم يكن يُقصد به التعالي عليهم وإهانتهم. والخلفاء كانوا يعلمون كيف كان النصارى يُعاملون المنحرفين من الدين في أوروبا، فحقّ لهم. أن يفخروا بأنهم أفضل وأعدل ملوك الأرض.
—————————————–

قادة فتح الأندلس/(1/165)
المؤلف: محمود شيت خطاب
هيام عبده مزيد

أضف تعليق